فصل: زيادة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


زيادة

التّعريف

1 - الزّيادة في اللّغة النّموّ، تقول‏:‏ زاد الشّيء يزيد زيداً وزيادةً، وزائدة الكبد هنيّة من الكبد صغيرة إلى جنبها متنحّية عنها، وجمعها زوائد‏.‏

وزوائد الأسد‏:‏ أظفاره وأنيابه، وزئيره وصولته‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الرّيع‏:‏

2 - الرّيع هو الزّيادة والنّماء، والرّيع في الاصطلاح هو الغلّة كالأجرة والثّمر والدّخل‏.‏

ب - غلّة‏:‏

3 - الغلّة هي كلّ شيء محصّل من ريع الأرض أو أجرتها ونحو ذلك، والجمع غلّات وغلال، والغلّة أخصّ من الزّيادة‏.‏

ج - نقص‏:‏

4 - النّقص والنّقصان مصدرا ‏"‏ نقص ‏"‏ يقال‏:‏ نقص ينقص نقصاً من باب قتل، وانتقص إذا ذهب منه شيء بعد تمامه، ودرهم ناقص غير تامّ الوزن‏.‏

أقسام الزّيادة

أ - أقسامها من حيث الاتّصال والانفصال‏:‏

5 - تنقسم الزّيادة من حيث الاتّصال والانفصال إلى قسمين‏:‏

أولاً- زيادة متّصلة بالأصل، وهي إمّا متولّدة منه كالسّمن والجمال، أو غير متولّدة منه كالغرس والبناء‏.‏

ثانياً - زيادة منفصلة عن الأصل كالولد والغلّة‏.‏

وهي إمّا متولّدة منه كالولد والثّمر، أو غير متولّدة منه كالكسب والغلّة‏.‏

ب - أقسامها من حيث التّمييز وعدمه‏:‏

6 - تنقسم الزّيادة من حيث التّمييز وعدمه إلى ثلاثة أقسام‏:‏

زيادة متميّزة كالولد والغراس‏.‏

وزيادة غير متميّزة كخلط الحنطة بالحنطة، أو السّمن بالسّمن‏.‏

وزيادة صفة كالطّحن‏.‏

ج - أقسامها من حيث كونها من جنس الأصل أو من غير جنسه‏:‏

7 - أ - زيادة من جنس الأصل كزيادة ركوع أو سجود في الصّلاة وتسمّى أيضاً زيادةً فعليّةً، وكزيادة سورة في الرّكعتين الثّالثة والرّابعة أي بعد قراءة الفاتحة في كلّ ركعة وتسمّى زيادةً قوليّةً‏.‏

ب - زيادة من غير جنس الأصل كالكلام الأجنبيّ في أثناء الصّلاة، والأكل والشّرب فيها‏.‏

القواعد المتعلّقة بالزّيادة

ذكر الزّركشيّ ثلاث قواعد تتعلّق بالزّيادة‏:‏

القاعدة الأولى

8 - الزّيادة المتّصلة تتبع الأصل في سائر الأبواب من الرّدّ بالعيب والتّفليس وغيرهما، إلاّ في الصّداق فإنّ الزّوج إذا طلّق قبل الدّخول لا يسترجع مع نصف المهر زيادته إلاّ برضا المرأة‏.‏ والزّيادة المنفصلة لا تتبع الأصل في الكلّ‏.‏

القاعدة الثّانية

9 - الزّيادة اليسيرة على ثمن المثل لا أثر لها وإن كان فيها غبن ما، كما في الوكيل بالبيع والشّراء وعدل الرّهن ونحوه إلاّ في موضع واحد وهو ما كان شرعيّاً عامّاً، كما في المتيمّم إذا وجد الماء يباع بزيادة يسيرة على ثمن المثل لا تلزمه في الأصحّ، وقيل‏:‏ إن كانت ممّا يتغابن بمثلها وجب، والمذهب - أي عند الشّافعيّة - الأوّل، والفرق بينه وبين غيره أنّ ما وضعه الشّارع وهو حقّ له بني على المسامحة‏.‏

أمّا وجدان الواجب بأكثر من المعتاد فينزل منزلة العدم، كما لو وجد الغاصب المثل يباع بأكثر من ثمنه لا يكلّف تحصيله في الأصحّ‏.‏

القاعدة الثّالثة

10 - الزّيادة على العدد إذا لم تكن شرطاً في الوجوب شرعاً لا يتأثّر بفقدها، ولهذا لو شهد ثمانية على شخص بالزّنى، فرجم ثمّ رجع أربعة عن الشّهادة لا شيء عليهم، فلو رجع منهم خمسة ضمنوا، لنقصان ما بقي من العدد المشروط‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالزّيادة

الزّيادة على الثّلاث في الوضوء

11 - من سنن الوضوء التّثليث أي غسل الأعضاء الّتي فرضها الغسل ثلاثاً، وفي تثليث مسح الرّأس، وفي الزّيادة على الثّلاث في غسل الرّجلين بقصد الإنقاء خلاف، وأمّا الزّيادة على الثّلاث في غسل الأعضاء فلا بأس به عند الحنفيّة إن كان الغرض من ذلك طمأنينة القلب لا الوسوسة، والمعتمد عند المالكيّة كراهة الغسلة الرّابعة في غير الرّجلين، وأمّا في الرّجلين فالمطلوب فيهما الإنقاء حتّى لو زاد على الثّلاث أو الاقتصار على الثّلاث على خلاف في ذلك‏.‏

والصّحيح عند الشّافعيّة كراهة الزّيادة على الثّلاث، وقيل‏:‏ تحرم،وقيل‏:‏ هي خلاف الأولى‏.‏

وذهب الحنابلة إلى الكراهة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه «أنّ أعرابيّاً جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثاً ثلاثاً، وقال‏:‏ هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدّى وظلم»‏.‏

الزّيادة في الأذان والإقامة

12 - الزّيادة المشروعة في الأذان هي عبارة عن التّثويب في أذان الفجر، والمراد بالتّثويب هو أن يزيد المؤذّن عبارة ‏"‏ الصّلاة خير من النّوم ‏"‏ مرّتين بعد الحيعلتين في أذان الفجر أو بعد أذانه كما يقول بعض الحنفيّة، وهو سنّة عند جميع الفقهاء لما ورد عن أنس بن مالك قال‏:‏ من السّنّة إذا قال المؤذّن في أذان الفجر حيّ على الفلاح قال‏:‏ الصّلاة خير من النّوم، الصّلاة خير من النّوم‏.‏

وأصل التّثويب «أنّ بلالاً رضي الله عنه أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلاة الفجر فقيل‏:‏ هو نائم، فقال‏:‏ الصّلاة خير من النّوم الصّلاة خير من النّوم»، فأقرّت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك‏.‏

وخصّ التّثويب بالصّبح لما يعرض للنّائم من التّكاسل بسبب النّوم، واعتبار التّثويب زيادةً إنّما هو بالنّظر إلى أذان بقيّة الصّلوات، ولا يجوز زيادة شيء في ألفاظ الأذان، لأنّها توقيفيّة بنصّ الشّارع، وقد تواتر النّقل على عدم زيادة شيء فيها، والإقامة كالأذان، إلاّ أنّه يزيد بعد قوله حيّ على الفلاح قد قامت الصّلاة مرّتين‏.‏

الزّيادة في الأذكار المسنونة

13 - سبق في بحث ‏(‏ذكر‏)‏ حكم الزّيادة في الأذكار المسنونة فينظر هناك‏.‏

الزّيادة على الضّربتين في التّيمّم

14 - التّيمّم عند الحنفيّة والشّافعيّة ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين‏.‏

وعند المالكيّة والحنابلة ضربة واحدة للوجه واليدين، والأكمل عندهم ضربتان كالحنفيّة والشّافعيّة، وأمّا الزّيادة على الضّربتين فلا بأس بها ما دام القصد استيعاب الوجه واليدين بالمسح، سواء أحصل ذلك بضربتين أم أكثر، والتّفصيل في مصطلح ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏

الزّيادة في الفعل والقول في الصّلاة

15 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، إلى أنّ الزّيادة في الصّلاة إمّا أن تكون زيادة أفعال، أو أقوال‏.‏ فزيادة الأفعال قسمان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما كان من جنس الصّلاة، فتبطل الصّلاة بعمده، وإن كان ذلك سهواً فلا بطلان، ويسجد للسّهو‏.‏

والآخر‏:‏ إن كان من غير جنس الصّلاة، فيبطل الصّلاة عمده وسهوه وجهله، إن كان كثيرًا ولم تكن ضرورة‏.‏ أمّا إن كان لحاجة، أو كان يسيراً، فلا يبطل‏.‏

والزّيادة القوليّة قسمان‏:‏ أحدهما‏:‏ ما يبطل عمده الصّلاة، ككلام الآدميّين‏.‏

والآخر، ما لا يبطل الصّلاة كالذّكر والدّعاء، إلاّ أن يخاطب به كقوله لعاطس‏:‏ يرحمك اللّه‏.‏

وأضاف الشّافعيّة أنّ الصّلاة تبطل بتعمّد النّطق بحرفين، أفهما أم لم يفهما، وبحرف مفهم كذلك‏.‏ وقالوا‏:‏ يعذر من تكلّم بيسير الكلام إن سبق لسانه أو نسي الصّلاة، أو جهل تحريم الكلام فيها، وقرب عهده بالإسلام، ولا يعذر بالكثير من ذلك‏.‏

وتفصيل ذلك في مفسدات الصّلاة، وسجود السّهو‏.‏

ومذهب الحنفيّة في الفعل، أنّ الكثير منه يبطل الصّلاة‏.‏

وفي حدّه ثلاثة أقوال، المختار عندهم‏:‏ أنّه لو كان المصلّي بحال لو رآه إنسان من بعيد، فتيقّن أنّه ليس في الصّلاة فهو كثير، إن كان يشكّ أنّه فيها أو لم يشكّ أنّه فيها، فهو قليل‏.‏ وأمّا القول أو الكلام، فمن تكلّم في صلاته عامداً أو ساهياً بطلت صلاته، لحديث‏:‏ «إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس»‏.‏

ومنه أيضاً‏:‏ الأنين والتّأوّه، وتشميت العاطس، وكلّ ما هو من القرآن إذا قصد به الجواب، أمّا إذا لم يقصد به الجواب بل الإعلام أنّه في الصّلاة، فلا تفسد بالاتّفاق عند الحنفيّة‏.‏

فلو كان الذّكر من غير القرآن، كما لو ذكر الشّهادتين عند ذكر المؤذّن لهما، أو سمع ذكر اللّه، فقال‏:‏ جلّ جلاله، أو ذكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم فصلّى عليه تفسد صلاته‏.‏

الزّيادة على التّكبيرات الأربع في صلاة الجنازة وأثرها

16 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ صلاة الجنازة أربع تكبيرات لا يجوز النّقص منها، والأولى عدم الزّيادة عليها، وهو الأظهر عند الشّافعيّة، ومقابله البطلان لزيادة ركن، فإن زاد الإمام عليها تكبيرةً خامسةً، ففي متابعة المأموم له في تلك الزّيادة أو عدم متابعته له فيها خلاف بين الفقهاء‏.‏

فذكر الحنفيّة سوى زفر أنّ الإمام إذا فعل ذلك لم يتابعه المؤتمّ في تلك التّكبيرة، لأنّها منسوخة، لما روي أنّه صلى الله عليه وسلم «كبّر أربعاً في آخر صلاة جنازة صلّاها»‏.‏ وقال زفر‏:‏ يتابعه لأنّه مجتهد فيه، لما روي أنّ عليّاً رضي الله عنه كبّر خمساً‏.‏

وعند المالكيّة يسلّم المأموم ولا ينتظر إمامه في التّكبيرة الخامسة على رواية ابن القاسم، ويفارق المأموم إمامه عند الشّافعيّة في التّكبيرة الخامسة بناءً على القول ببطلان الصّلاة بها، وعلى القول بعدم البطلان لا يفارقه، ولكن لا يتابعه فيها على الأظهر، وفي تسليمه في الحال أو انتظاره حتّى يسلّم إمامه وجهان أصحّهما الثّاني‏.‏

والأولى عند الحنابلة أن لا يزيد على أربع تكبيرات في صلاة الجنازة، ولا خلاف عندهم أنّه لا تجوز الزّيادة على سبع تكبيرات، ولا يجوز النّقص عن أربع تكبيرات، واختلفت الرّواية عندهم فيما زاد على الأربع إلى السّبع، فظاهر كلام الخرقيّ أنّ الإمام إذا كبّر خمساً تابعه المأموم، ولا يتابعه في زيادة عليها رواه الأثرم عن أحمد، لما روي عن «زيد بن أرقم أنّه كبّر على جنازة خمساً وقال‏:‏ كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكبّرها»‏.‏

وروى حرب عن أحمد إذا كبّر خمساً لا يكبّر معه، ولا يسلّم إلاّ مع الإمام، لأنّها زيادة غير مسنونة للإمام فلا يتابعه المأموم فيها، كالقنوت في الرّكعة الأولى‏.‏

وفي رواية أخرى عن أحمد أنّ المأموم يكبّر مع الإمام إلى سبع، قال الخلّال‏:‏ ثبت القول عن أبي عبد اللّه أنّه يكبّر مع الإمام إلى سبع ثمّ لا يزاد على سبع، ولا يسلّم إلاّ مع الإمام‏.‏ وتفصيل ذلك في صلاة الجنازة‏.‏

الزّيادة في الزّكاة على المقدار الواجب إخراجه

17 - الأصل أن يخرج المزكّي القدر الواجب عليه لإبراء ذمّته، فإن زاد فذلك خير، لقوله تعالى‏:‏‏{‏وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ‏}‏ والزّيادة قد تكون في المقدار أو في الصّفة‏.‏ فمن أمثلة الزّيادة في صفة الواجب إخراج بنت اللّبون عن بنت المخاض، فإنّ بنت اللّبون تخرج عن ستّ وثلاثين من الإبل وبنت المخاض تخرج عن خمس وعشرين، والحقّة عن بنت اللّبون فإنّ الحقّة تخرج عن ستّ وأربعين، وإخراج الجذعة عن الحقّة فإنّ الجذعة تجب في إحدى وستّين‏.‏ ومن أمثلة الزّيادة في المقدار إخراج أكثر من صاع في زكاة الفطر، لأنّ الواجب فيها صاع عن كلّ فرد‏.‏ وتفصيل ذلك محلّه مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

زيادة الوكيل عمّا حدّده له الموكّل

18 - الوكيل لا يملك من التّصرّف إلاّ ما يقتضيه إذن موكّله من جهة النّطق أو جهة العرف، لأنّ تصرّفه بالإذن فاختصّ بما أذن فيه، وهو مأمور بالاحتياط والغبطة، فلو وكّله في التّصرّف في زمن مقيّد لم يملك التّصرّف قبله ولا بعده، لأنّه لم يتناوله إذنه مطلقاً، ولا عرفاً، لأنّه قد يؤثّر التّصرّف في زمن الحاجة إليه دون غيره‏.‏

وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في الوكالة‏.‏

زيادة المبيع وأثرها في الرّدّ بالعيب

19 - ذكر الحنفيّة أنّ زيادة المبيع المتّصلة المتولّدة كسمن وجمال لا تمنع الرّدّ قبل القبض، وكذا بعده في ظاهر الرّواية، وللمشتري الرّجوع بالنّقصان، وليس للبائع قبوله عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمّد له ذلك،وأمّا غير المتولّدة كغرس وبناء فتمنع الرّدّ مطلقاً‏.‏ وأمّا زيادة المبيع المنفصلة المتولّدة كالولد والثّمر والأرش فلا تمنع الرّدّ قبل القبض، فإن شاء ردّهما أو رضي بهما بجميع الثّمن، وبعد القبض يمتنع الرّدّ ويرجع بحصّة العيب، وأمّا الزّيادة المنفصلة غير المتولّدة ككسب، وغلّة، وهبة، فقبل القبض لا تمنع الرّدّ، فإذا ردّ فهي للمشتري بلا ثمن عند محمّد ولا تطيب له، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف للبائع ولا تطيب له، وبعد القبض لا تمنع الرّدّ أيضًا، وتطيب له الزّيادة‏.‏

وذكر المالكيّة أنّ المشتري في حالة ردّه المبيع بعيب قديم لبائعه، يشترك مع البائع في المبيع بمثل نسبة ما زاد من قيمته، بصبغه أو خياطته على قيمته خالياً عن ذلك معيباً، فإن قوّم مصبوغاً بخمسة عشر وغير مصبوغ بعشرة شاركه بثلثه، دلّس بائعه أم لا، أو يتمسّك بالمبيع ويأخذ أرش العيب القديم، وتعتبر القيمة يوم البيع على الأرجح‏.‏

هذا في الزّيادة المتّصلة، وذكروا في الزّيادة المنفصلة أنّ المشتري لا يشترك مع البائع فيها عند الرّدّ‏.‏

وذكر الشّافعيّة أنّ الزّيادة المتّصلة في المبيع والثّمن تتبع الأصل في الرّدّ، وهو ما ذكره الحنابلة في نماء المبيع المتّصل كالسّمن وكبر الشّجرة لعدم إمكان إفراد الزّيادة، ولتعذّر الرّدّ بدونها، ولأنّ الملك قد تجدّد بالفسخ فكانت الزّيادة المتّصلة فيه تابعةً للأصل كالعقد‏.‏ وأمّا الزّيادة المنفصلة في المبيع والثّمن عيناً كالولد، أو منفعةً كالأجرة، فهي من المبيع للمشتري، ومن الثّمن للبائع، وهو مذهب الحنابلة في نماء المبيع المنفصل، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الخراج بالضّمان»‏.‏ والزّيادة المنفصلة في المبيع والثّمن لا تمنع الرّدّ عند الشّافعيّة بالعيب عملاً بمقتضى العيب‏.‏ والتّفصيل في خيار العيب‏.‏

الزّيادة على الثّمن وأثرها

20 - تتّضح آثار الزّيادة على الثّمن أو النّقص منه في الإقالة‏.‏

ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إقالة، ف 5 /327‏)‏

زيادة المشفوع فيه هل تكون للمشتري أو للشّفيع

21 - اختلف الفقهاء في زيادة المشفوع فيه هل تكون للمشتري أو للشّفيع، فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ زيادة المبيع الّتي حدثت في يد المشتري قبل الآخذ منه بالشّفعة، إن كانت متّصلةً غير متميّزة كالشّجر إذا كبر فهي للشّفيع، لعدم تميّزها فتبعت الأصل، كما لو ردّ بعيب أو خيار أو إقالة، وإن كانت تلك الزّيادة منفصلةً متميّزةً كالغلّة والأجرة والطّلع المؤبّر والثّمرة الظّاهرة، فهي للمشتري لا حقّ للشّفيع فيها، لأنّها حدثت في ملكه، وتكون للمشتري مبقاةً في رءوس النّخل إلى الجذاذ‏.‏

وللشّافعيّة في الزّيادة المتميّزة غير الظّاهرة قولان‏:‏

أحدهما - وهو القديم -‏:‏ تتبع الأصل كما في البيع‏.‏

والثّاني - وهو الجديد -‏:‏ لا تتبع الأصل لأنّه استحقاق بغير تراض فلا يؤخذ به إلاّ ما دخل بالعقد ويخالف البيع، لأنّه استحقاق عن تراض يقدر فيه على الاستثناء، فإذا لم يستثن تبع الأصل‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ زيادة المشفوع فيه كالثّمر الّذي على النّخل للشّفيع إذا شرطه في البيع، لأنّه لا يدخل بدون الشّرط، فإذا شرطه دخل في البيع واستحقّ بالشّفعة، لأنّه باعتبار الاتّصال صار كالنّخل وهذا استحسان، والقياس أن لا شفعة فيه لعدم التّبعيّة، حتّى لا يدخل في البيع بدون الشّرط، وإذا دخل في الشّفعة فإذا جذّه المشتري نقص حصّته من الثّمن لأنّه صار مقصوداً بالذّكر، فقابله شيء من الثّمن، وليس له أن يأخذ الثّمرة لأنّها نفليّة أي زيادة، ولو لم يكن على النّخل ثمر وقت البيع فأثمر فللشّفيع أخذه بالثّمرة، لأنّ البيع سرى إليها فكانت تبعاً، فإذا جذّها المشتري فللشّفيع أن يأخذ النّخل بجميع الثّمن، لأنّ الثّمرة لم تكن موجودةً وقت العقد، فلم تكن مقصودةً فلا يقابلها شيء من الثّمن‏.‏

وعند المالكيّة أنّ للمشتري المأخوذ منه بالشّفعة غلّته، أي غلّة الشّقص المشفوع فيه الّتي استغلّها قبل أخذه منه بالشّفعة، لأنّه كان ضامناً له، وفي الحديث «الخراج بالضّمان»‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

زيادة المرهون

22 - نصّ الكاسانيّ من الحنفيّة على أنّ زيادة المرهون إن لم تكن متولّدةً من الأصل ولا في حكم المتولّد منه كالكسب والهبة والصّدقة، فإنّ تلك الزّيادة لا يثبت فيها حكم الرّهن، لأنّها ليست مرهونةً بنفسها، ولا هي بدل المرهون، ولا جزء منه، ولا بدل جزء منه‏.‏ وإن كانت تلك الزّيادة متولّدةً من الأصل كالولد والثّمر واللّبن والصّوف، أو في حكم المتولّدة منه كالأرش والعقر فهي مرهونة تبعاً للأصل، لأنّ الرّهن حقّ لازم فيسري إلى التّبع‏.‏

وزيادة المرهون عند المالكيّة، وهي الّتي يعبّرون عنها بالغلّة، كاللّبن وما تولّد منه، وعسل النّحل، لا تدخل في الرّهن إذا لم يشترط المرتهن دخولها، بخلاف الجنين في بطن الأمّ، فإنّه يندرج في الرّهن، سواء أحملت به قبل الرّهن أم بعده‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ زيادة المرهون إن كانت متّصلةً كسمن الدّابّة وكبر الشّجرة تبعت الأصل في الرّهن، وإن كانت منفصلةً كالولد والثّمر لم تتبع‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ نماء الرّهن جميعه وغلّاته تكون رهناً في يد من الرّهن في يده كالأصل، وإذا احتيج إلى بيعه في وفاء الدّين بيع مع الأصل، سواء في ذلك المتّصل كالسّمن والتّعلّم، والمنفصل كالكسب والأجرة والولد والثّمرة واللّبن والصّوف والشّعر‏.‏

لأنّه حكم يثبت في العين بعقد المالك فيدخل فيه النّماء والمنافع كالملك بالبيع وغيره‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏رهن‏)‏‏.‏

زيادة الموهوب وأثرها في الرّجوع في الهبة

23 - الزّيادة في الموهوب إمّا أن تكون متّصلةً، وإمّا أن تكون منفصلةً‏.‏

فإن كانت منفصلةً كالثّمرة والولد فإنّها لا تؤثّر في الرّجوع فيها اتّفاقاً‏.‏

وإن كانت متّصلةً منعت من الرّجوع عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في إحدى الرّوايتين عن أحمد، لأنّه لا يمكن الرّجوع فيها دون تلك الزّيادة، ولا سبيل إلى الرّجوع بالهبة مع تلك الزّيادة لعدم ورود العقد عليها‏.‏

وعند الشّافعيّة لا تمنع من الرّجوع وهو ما ذهب إليه الحنابلة أيضاً في رواية أخرى عن أحمد لعدم تمييزها فتتبع الأصل‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

زيادة الصّداق وحكمها في الطّلاق قبل الدّخول

24 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة، إلى أنّ الزّوج إذا طلّق زوجته قبل الدّخول تشطّر الصّداق سواء بقي على حاله أو حدثت فيه زيادة متّصلة أو منفصلة، أي أنّ تلك الزّيادة تأخذ حكم الأصل، فيرجع الزّوج عليها بنصف ما دفعه لها بزيادته المتّصلة أو المنفصلة، لأنّ تلك الزّيادة في حكم جزء من العين، والحادث منها بعد العقد قبل القبض كالموجود وقت العقد‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة، إلى أنّ زيادة الصّداق المنفصلة تكون للمرأة، ويرجع الزّوج بنصف الأصل فقط، لأنّ تلك الزّيادة نماء ملكها، والرّجوع بنصف الأصل لا يلحق الضّرر بواحد منهما‏.‏

وإن كانت تلك الزّيادة متّصلةً، فإنّ الزّوج في هذه الحالة لا يستقلّ بالرّجوع إلى النّصف ذاته، بل يخيّر الزّوجة بين ردّ نصفه زائداً، وبين إعطاء نصف قيمته يوم العقد‏.‏

وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏صداق‏)‏‏.‏

زيادة التّركة الحاصلة بعد الوفاة قبل أداء الدّين

25 - اختلف الفقهاء في زيادة التّركة ونمائها الّذي حدث بعد وفاة المدين وقبل أداء الدّين، كأجرة دار للسّكنى، وكدابّة ولدت أو سمنت، وكشجر صار له ثمر، هل يضمّ إلى التّركة لمصلحة الدّائنين أو هو ملك للوارث‏.‏

وهذا الخلاف مترتّب على خلاف سابق بين الفقهاء في انتقال تركة من عليه دين إلى وارثه، وحاصل ما قالوه في ذلك أنّهم اتّفقوا على أنّ التّركة تنتقل إلى الوارث إذا لم يتعلّق بها ديون من حين وفاة الميّت، فإن تعلّق بالتّركة دين فقد اختلفوا في انتقالها إلى الوارث بعد الوفاة على ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ وهو ما ذهب إليه الشّافعيّة والحنابلة في أشهر الرّوايتين، أنّ أموال التّركة تنتقل إلى ملك الورثة بمجرّد موت المورّث مع تعلّق الدّين بها، سواء أكان الدّين مستغرقًا للتّركة أم غير مستغرق لها‏.‏

والثّاني‏:‏ وهو ما ذهب إليه الحنفيّة أنّه يميّز بين ما إذا كانت التّركة مستغرقةً بالدّين أو كانت غير مستغرقة به، فإن استغرق الدّين أموال التّركة تبقى أموال التّركة على حكم ملك الميّت ولا تنتقل إلى ملك الورثة، وإن كان الدّين غير مستغرق فالرّأي الرّاجح أنّ أموال التّركة تنتقل إلى الورثة بمجرّد موت المورّث، مع تعلّق الدّين بهذه الأموال‏.‏

والثّالث‏:‏ وهو قول المالكيّة أنّ أموال التّركة تبقى على حكم ملك الميّت بعد موته إلى أن يسدّد الدّين سواء أكان الدّين مستغرقاً لها أم غير مستغرق‏.‏

وعلى هذا فإنّ من قال بأنّ التّركة تنتقل إلى الورثة بعد الوفاة وقبل أداء الدّين قال‏:‏ إنّ الزّيادة للوارث وليست للدّائن، ومن قال بعدم انتقالها قال‏:‏ تضمّ الزّيادة إلى التّركة لوفاء الدّين فإن فضل شيء انتقل إلى الورثة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تركة‏)‏‏.‏

زيادة التّعزير عن أدنى الحدود

26 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ التّعزير لا يبلغ الحدّ‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ للإمام أن يزيد على الحدّ مع مراعاة المصلحة الّتي لا يشوبها الهوى‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا كان بالجلد فإنّه يجب أن ينقص عن أقلّ حدود من يقع عليه التّعزير، واختلفت الرّواية عن أحمد في قدر جلد التّعزير، فروي أنّه لا يبلغ به الحدّ، ونصّ مذهبه أن لا يزاد على عشر جلدات في التّعزير، انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تعزير‏)‏‏.‏

الزّيادة على الفرائض والسّنن الرّاتبة - النّفل المطلّق

27 - قسّم الماورديّ الزّيادة على فعل الفرائض والسّنن الرّاتبة وهو ما يسمّى النّفل المطلق ثلاثة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن تكون الزّيادة رياءً للنّاظرين وتصنّعاً للمخلوقين، حتّى يستعطف بها القلوب النّافرة ويخدم بها العقول الواهية، فيتبهرج بالصّلحاء وليس منهم، ويتدلّس في الأخيار وهو ضدّهم، وقد ضرب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمرائي بعمله مثلاً فقال‏:‏ «المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»‏.‏ يريد بالمتشبّع بما لا يملك‏:‏ المتزيّن بما ليس فيه، وقوله‏:‏ كلابس ثوبي زور‏:‏ هو الّذي يلبس ثياب الصّلحاء، فهو بريائه محروم الأجر، مذموم الذّكر، لأنّه لم يقصد وجه اللّه تعالى‏.‏

والقسم الثّاني‏:‏ أن يفعل الزّيادة اقتداءً بغيره، وهذا قد تثمره مجالسة الأخيار الأفاضل، وتحدثه مكاثرة الأتقياء الأماثل‏.‏ ولذلك قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»‏.‏

فإذا كاثرهم المجالس وطاولهم المؤانس أحبّ أن يقتدي بهم في أفعالهم، ويتأسّى بهم في أعمالهم، ولا يرضى لنفسه أن يقصّر عنهم، ولا أن يكون في الخير دونهم، فتبعثه المنافسة على مساواتهم، وربّما دعته الحميّة إلى الزّيادة عليهم، والمكاثرة لهم، فيصيرون سبباً لسعادته، وباعثاً على استزادته‏.‏

والقسم الثّالث‏:‏ أن يفعل الزّيادة ابتداءً من نفسه التماساً لثوابها ورغبةً في الزّلفة بها، فهذا من نتائج النّفس الزّاكية، ودواعي الرّغبة الواقية الدّالّين على خلوص الدّين وصحّة اليقين، وذلك أفضل أحوال العاملين، وأعلى منازل العابدين‏.‏

28 - ثمّ لما يفعله من الزّيادة حالتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن يكون مقتصدًا فيها وقادراً على الدّوام عليها، فهي أفضل الحالتين، وأعلى المنزلتين، عليها انقرض أخيار السّلف، وتتبّعهم فيها فضلاء الخلف، وقد روت عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «عليكم بما تطيقون فواللّه لا يملّ اللّه حتّى تملّوا، وكان أحبّ الدّين إليه ما دام عليه صاحبه»‏.‏

والحالة الثّانية‏:‏ أن يستكثر منها استكثار من لا ينهض بدوامها، ولا يقدر على اتّصالها، فهذا ربّما كان بالمقصّر أشبه، لأنّ الاستكثار من الزّيادة إمّا أن يمنع من أداء اللّازم فلا يكون إلاّ تقصيراً، لأنّه تطوّع بزيادة أحدثت نقصاً، وبنفل منع فرضاً، وإمّا أن يعجز عن استدامة الزّيادة ويمنع من ملازمة الاستكثار، من غير إخلال بلازم ولا تقصير في فرض، فهي إذن قصيرة المدى قليلة اللّبث، وقليل العمل في طويل الزّمان أفضل عند اللّه عزّ وجلّ من كثير العمل في قليل الزّمان، لأنّ المستكثر من العمل في الزّمان القصير قد يعمل زماناً ويترك زماناً، فربّما صار في زمان تركه لاهياً أو ساهياً، والمقلّل في الزّمان الطّويل مستيقظ الأفكار مستديم التّذكار، وقد روى أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إنّ لكلّ شيء شرّةً، ولكلّ شرّة فترةً، فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدّوه»‏.‏

فجعل للإسلام شرّةً وهي الإيغال في الإكثار، وجعل للشّرّة فترةً وهي الإهمال بعد الاستكثار، فلم يخل بما أثبت من أن تكون هذه الزّيادة تقصيراً أو إخلالاً، ولا خير في واحد منهما‏.‏

الزّيادة على القرآن الكريم

29 - القرآن الكريم كلام اللّه المعجز الّذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وحفظه من الزّيادة والنّقص، قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ فالذّكر هو القرآن الكريم، كما قال القرطبيّ، ومعنى قوله تعالى ‏{‏وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ أي من أن يزاد فيه أو ينقص منه‏.‏

قال قتادة وثابت البنانيّ‏:‏ حفظه اللّه من أن تزيد فيه الشّياطين باطلاً، أو ينقص منه حقّاً، فتولّى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظاً، وقال في غيره ‏{‏بِمَا اسْتُحْفِظُواْ‏}‏ فوكّل حفظه إليهم فبدّلوا وغيّروا‏.‏ ثمّ إنّ اللّه سبحانه وتعالى وصف القرآن بأنّه عزيز، أي ممتنع عن النّاس أن يقولوا مثله، كما قال ابن عبّاس رضي الله عنهما‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ‏}‏ ومعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ‏}‏ كما قال القرطبيّ نقلاً عن السّدّيّ وقتادة‏:‏ أي أنّ الشّيطان لا يستطيع أن يغيّر فيه ولا يزيد ولا ينقص‏.‏

وذكر صاحب روح المعاني أنّ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ‏}‏ تمثيلاً لتشبيهه بشخص حمي من جميع جهاته، فلا يمكن أعداؤه الوصول إليه، لأنّه في حصن حصين من حماية الحقّ المبين‏.‏

مواطن البحث

30 - يبحث عن الأحكام الخاصّة بمصطلح زيادة في الوضوء، والتّيمّم، والصّلاة، والمبيع، والثّمن، والغصب، والشّفعة، والرّهن، والهبة، والصّداق، والتّركة، والتّعزير، والحدّ، والتّكليف‏.‏

زيارة

التّعريف

1 - الزّيارة في اللّغة‏:‏ القصد، يقال‏:‏ زاره يزوره زوراً وزيارةً‏:‏ قصده وعاده‏.‏

وفي العرف هي قصد المزور إكراماً له واستئناساً به‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

العيادة‏:‏

2 - هي من عاد المريض يعوده عيادةً‏:‏ إذا زاره في مرضه‏.‏ فالعيادة على هذا أخصّ من الزّيارة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

3 - تختلف أحكام الزّيارة باختلاف أسبابها، والمزور، والزّائر‏.‏

زيارة قبر الرّسول صلى الله عليه وسلم

4 - زيارة قبره صلى الله عليه وسلم من أهمّ القربات وأفضل المندوبات، وقد نقل صاحب فتح القدير عن مناسك الفارسيّ وشرح المختار‏:‏ أنّ زيارة قبره صلى الله عليه وسلم قريبة من الوجوب‏.‏ وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من زار قبري وجبت له شفاعتي»، وروي عنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من جاءني زائراً لا يعلم له حاجةً إلاّ زيارتي، كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

زيارة القبور

5 - تسنّ زيارة قبور المسلمين للرّجال بدون سفر، لخبر «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها»‏.‏

ويكره للنّساء لحديث أمّ عطيّة‏:‏ «نهينا عن زيارة القبور، ولم يعزم علينا»‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زيارة القبور‏)‏‏.‏

زيارة الأماكن

6 - وردت نصوص وآثار تدعو إلى زيارة أماكن بعينها‏.‏

ومنها ما ورد في مسجد قباء وهو قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ‏}‏ «وكان صلى الله عليه وسلم يزوره كلّ سبت»‏.‏

والمساجد الثّلاثة الّتي ورد الحديث بشدّ الرّحال إليها وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏

«لا تشدّ الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد‏:‏ مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى»‏.‏

ومنها جبل أحد لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «جبل يحبّنا ونحبّه»‏.‏

وغير ذلك من الأماكن الّتي ورد فيها نصّ بذلك فتستحبّ زيارتها‏.‏

زيارة الصّالحين، والإخوان

7 - تسنّ زيارة الصّالحين والإخوان، والأصدقاء والجيران، والأقارب وصلتهم، وينبغي أن تكون زيارتهم على وجه يرتضونه، وفي وقت لا يكرهونه‏.‏

كما يستحبّ أن يطلب من أخيه الصّالح أن يزوره ويكثر زيارته إذا لم يشقّ ذلك‏.‏

وقد جاء في الأثر‏:‏ «أنّ رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد اللّه تعالى له على مدرجته ملكاً، فلمّا أتى عليه قال‏:‏ أين تريد ‏؟‏ قال‏:‏ أريد أخاً لي في هذه القرية، قال‏:‏ هل لك عليه من نعمة تربّها، قال‏:‏ لا، غير أنّي أحببته في اللّه عزّ وجلّ، قال‏:‏ فإنّي رسول اللّه إليك، بأنّ اللّه قد أحبّك كما أحببته فيه»‏.‏

وفي الحديث القدسيّ‏:‏ «حقّت محبّتي للمتحابّين في، وحقّت محبّتي للمتناصحين في، وحقّت محبّتي للمتزاورين في»‏.‏ وعن أنس رضي الله عنه‏:‏ «إذا جاءكم الزّائر فأكرموه»‏.‏

زيارة الزّوجة لأهلها ووالديها، وزيارتهم لها

8 - قال المالكيّة والحنفيّة في القول المفتى به عندهم‏:‏ للمرأة الخروج لزيارة والديها كلّ جمعة، ومحارمها كلّ سنة ولو بغير إذن الزّوج، لأنّ ذلك من المصاحبة بالمعروف المأمور بها، ومن صلة الرّحم‏.‏ وقيّده المالكيّة بأن يكون الوالدان في البلد‏.‏

والصّحيح من مذهب الحنفيّة وهو مذهب المالكيّة أنّ الزّوج لا يمنع أبوي الزّوجة من الدّخول عليها في كلّ جمعة، ولا يمنع غيرهما من المحارم في كلّ سنة‏.‏

وكذا بالنّسبة لأولادها من غيره إن كانوا صغاراً، لا يمنعهم الزّوج من الدّخول إليها كلّ يوم مرّةً، وإن اتّهم والديها بإفسادها، فيقضى لهما بالدّخول مع امرأة أمينة من جهة الزّوج وعليه أجرتها‏.‏

وذهب الشّافعيّة، وهو قول للحنفيّة‏:‏ إلى أنّ له المنع من الدّخول، معلّلاً بأنّ المنزل ملكه وله حقّ المنع من دخول ملكه، وهذا ظاهر الكنز، وهو اختيار القدوريّ، وجزم به في الذّخيرة‏.‏ وقيل‏:‏ لا منع من الدّخول بل من القرار، لأنّ الفتنة في المكث وطول الكلام‏.‏ ومذهب المالكيّة، أنّه يقضى بزيارة والديها وأولادها الكبار من غيره لها في بيت الزّوجيّة كلّ جمعة مرّةً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ للمرأة الخروج من بيت الزّوجيّة لزيارة والديها ومحارمها في غيبة الزّوج إن لم ينهها عن الخروج‏.‏ وجرت العادة بالتّسامح بذلك‏.‏ أمّا إذا نهاها عن الخروج في غيبته فليس لها الخروج لزيارة ولا لغيرها‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه ليس للزّوج منع أبوها من زيارتها، لما فيه من قطيعة الرّحم، لكن إن عرف بقرائن الحال حدوث ضرر بزيارتهما، أو زيارة أحدهما فله المنع‏.‏

زيارة المحضون

9 - لكلّ من الأبوين زيارة أولاده إذا كانت الحضانة لغيره، وليس لمن له حقّ الحضانة منع الزّيارة‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حضانة‏)‏‏.‏

زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

التّعريف

1 - الزّيارة‏:‏ اسم من زاره يزوره زوراً وزيارةً، قصده مكرماً له‏.‏

وزيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته تتحقّق بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - أجمعت الأمّة الإسلاميّة سلفاً وخلفاً على مشروعيّة زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد ذهب جمهور العلماء من أهل الفتوى في المذاهب إلى أنّها سنّة مستحبّة، وقالت طائفة من المحقّقين‏:‏ هي سنّة مؤكّدة، تقرب من درجة الواجبات، وهو المفتى به عند طائفة من الحنفيّة‏.‏ وذهب الفقيه المالكيّ أبو عمران موسى بن عيسى الفاسيّ إلى أنّها واجبة‏.‏

دليل مشروعيّة الزّيارة

3 - من أدلّة مشروعيّة زيارته صلى الله عليه وسلم‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً‏}‏ فإنّه صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره بعد موته، كما أنّ الشّهداء أحياء بنصّ القرآن، وقد صحّ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الأنبياء أحياء في قبورهم»، وإنّما قال‏:‏ هم أحياء أي لأنّهم كالشّهداء بل أفضل، والشّهداء أحياء عند ربّهم، وفائدة التّقييد بالعنديّة الإشارة إلى أنّ حياتهم ليست بظاهرة عندنا وهي كحياة الملائكة‏.‏

وفي صحيح مسلم في حديث الإسراء «قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي في قبره»‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «فزوروا القبور، فإنّها تذكر الموت» فهو دليل على مشروعيّة زيارة القبور عامّةً، وزيارته صلى الله عليه وسلم أولى ما يمتثل به هذا الأمر، فتكون زيارته داخلةً في هذا الأمر النّبويّ الكريم‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي»‏.‏

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث‏:‏ «من زار قبري وجبت له شفاعتي»‏.‏ فاستدلّ بعض الفقهاء بهذه الأدلّة على وجوب زيارته صلى الله عليه وسلم لما في الأحاديث الأخرى من الحضّ أيضاً‏.‏

وحملها الجمهور على الاستحباب، ولعلّ ملحظهم في ذلك أنّ هذه الأدلّة ترغّب بتحصيل ثواب أو مغفرة أو فضيلة، وذلك يحصل بوسائل أخر، فلا تفيد هذه الأدلّة الوجوب‏.‏

قال القاضي عياض في كتاب الشّفاء‏:‏ وزيارة قبره عليه الصلاة والسلام سنّة من سنن المسلمين مجمع عليها، وفضيلة مرغّب فيها‏.‏

فضل زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

4 - دلّت الدّلائل السّابقة على عظمة فضل زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجزيل مثوبتها فإنّها من أهمّ المطالب العالية والقربات النّافعة المقبولة عند اللّه تعالى، فبها يرجو المؤمن مغفرة اللّه تعالى ورحمته وتوبته عليه من ذنوبه، وبها يحصل الزّائر على شفاعة خاصّة من النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وما أعظمه من فوز‏.‏

وعلى ذلك انعقد إجماع المسلمين في كافّة العصور، كما صرّح به عياض والنّوويّ والسّنديّ وابن الهمام‏.‏

قال الحافظ ابن حجر‏:‏ إنّها من أفضل الأعمال وأجلّ القربات الموصّلة إلى ذي الجلال، وإنّ مشروعيّتها محلّ إجماع بلا نزاع‏.‏

وكذلك قال القسطلّانيّ‏:‏ اعلم أنّ زيارة قبره الشّريف من أعظم القربات وأرجى الطّاعات، والسّبيل إلى أعلى الدّرجات‏.‏

آداب زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم

5 - أ - أن ينوي زيارة المسجد النّبويّ أيضاً لتحصيل سنّة زيارة المسجد وثوابها لما في الحديث عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تشدّ الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد‏:‏ مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى»‏.‏

ب - الاغتسال لدخول المدينة المنوّرة، ولبس أنظف الثّياب، واستشعار شرف المدينة لتشرّفها به صلى الله عليه وسلم‏.‏

ج - المواظبة على صلاة الجماعة في المسجد النّبويّ مدّة الإقامة في المدينة، عملاً بالحديث الثّابت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام»‏.‏

د - أن يتبع زيارته صلى الله عليه وسلم بزيارة صاحبيه شيخي الصّحابة رضي اللّه عنهما وعنهم جميعاً، أبي بكر الصّدّيق، وقبره إلى اليمين قدر ذراع، وعمر يلي قبر أبي بكر إلى اليمين أيضاً‏.‏

ما يكره في زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم

6 - يقع لكثير من النّاس أمور مكروهة في زيارتهم لقبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم نشير إلى أهمّها‏:‏

أ - التّزاحم عند الزّيارة، وذلك أمر لا موجب له، بل هو خلاف الأدب، لا سيّما إذا أدّى إلى زحام النّساء فإنّ الأمر شديد‏.‏

ب - رفع الأصوات بالصّلاة والسّلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو بالدّعاء عند زيارته صلى الله عليه وسلم‏.‏

ج - التّمسّح بقبره الشّريف صلى الله عليه وسلم أو بشبّاك حجرته‏.‏ أو إلصاق الظّهر أو البطن بجدار القبر‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ ولا يستحبّ التّمسّح بحائط قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا تقبيله، قال أحمد‏:‏ ما أعرف هذا‏.‏

قال الأثرم‏:‏ رأيت أهل العلم من أهل المدينة لا يمسّون قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقومون من ناحية فيسلّمون‏.‏ قال أبو عبد اللّه‏:‏ وهكذا كان ابن عمر يفعل‏.‏

وقال النّوويّ منبّهًا محذّراً‏:‏ ولا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم، ويكره إلصاق الظّهر والبطن بجدار القبر‏.‏ قالوا‏:‏ ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد منه، كما يبعد منه لو حضره في حياته صلى الله عليه وسلم هذا هو الصّواب الّذي قاله العلماء وأطبقوا عليه، ولا يغترّ بمخالفة كثيرين من العوّام وفعلهم ذلك، فإنّ الاقتداء والعمل إنّما يكون بالأحاديث الصّحيحة وأقوال العلماء، ولا يلتفت إلى محدثات العوّام وغيرهم وجهالاتهم‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ فإنّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم»‏.‏

معنى الحديث لا تعطّلوا البيوت من الصّلاة فيها والدّعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحرّي العبادة بالبيوت ونهى عن تحرّيها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النّصارى ومن تشبّه بهم من هذه الأمّة‏.‏ والعيد اسم ما يعود من الاجتماع العامّ على وجه معتاد عائداً ما يعود السّنة أو يعود الأسبوع أو الشّهر ونحو ذلك‏.‏

قال في عون المعبود‏:‏ قال ابن القيّم‏:‏ العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمن ومكان مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسماً للمكان فهو المكان الّذي يقصد فيه الاجتماع والانتياب بالعبادة وبغيرها كما أنّ المسجد الحرام ومنىً ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها اللّه تعالى عيداً للحنفاء ومثابةً للنّاس، كما جعل أيّام العيد منها عيداً‏.‏ وكان للمشركين أعياد زمانيّة ومكانيّة فلمّا جاء اللّه بالإسلام أبطلها وعوّض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النّحر، كما عوّضهم عن أعياد المشركين المكانيّة بكعبة ومنىً ومزدلفة وسائر المشاعر‏.‏

قال المناويّ في فيض القدير‏:‏ معناه النّهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد، إمّا لدفع المشقّة أو كراهة أن يتجاوزوا حدّ التّعظيم‏.‏ وقيل‏:‏ العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيداً تعودون إليه متى أردتم أن تصلّوا عليّ، فظاهره منهيّ عن المعاودة والمراد المنع عمّا يوجبه، وهو ظنّهم بأنّ دعاء الغائب لا يصل إليه، ويؤيّده قوله‏:‏ «وصلّوا عليّ فإنّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم» أي لا تتكلّفوا المعاودة إليّ فقد استغنيتم بالصّلاة عليّ‏.‏

قال المناويّ‏:‏ ويؤخذ منه أنّ اجتماع العامّة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السّنة ويقولون‏:‏ هذا يوم مولد الشّيخ، ويأكلون ويشربون وربّما يرقصون فيه منهيّ عنه شرعاً، وعلى وليّ الشّرع ردعهم على ذلك، وإنكاره عليهم وإبطاله‏.‏

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة‏:‏ الحديث يشير إلى أنّ ما ينالني منكم من الصّلاة والسّلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم عنه، فلا حاجة بكم إلى اتّخاذه عيداً‏.‏

صفة زيارته صلى الله عليه وسلم

7 - إذا أراد الزّائر زيارته صلى الله عليه وسلم فلينو زيارة مسجده الشّريف أيضاً، لتحصل سنّة زيارة المسجد وثوابها‏.‏

وإذا عاين بساتين المدينة صلّى عليه صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ اللّهمّ هذا حرم نبيّك فاجعله وقايةً لي من النّار وأماناً من العذاب وسوء الحساب‏.‏

وإذا وصل باب المسجد النّبويّ دخل وهو يقول الذّكر المعروف عند دخول المساجد‏:‏ «اللّهمّ صلّ على محمّد، ربّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك»‏.‏

وعند الخروج يقول ذلك، لكن بلفظ ‏"‏ وافتح لي أبواب فضلك»‏.‏

ويصلّي ركعتي تحيّة المسجد، ثمّ يقصد الحجرة الشّريفة الّتي فيها قبره عليه الصلاة والسلام فيستدبر القبلة ويستقبل القبر ويقف أمام النّافذة الدّائريّة اليسرى مبتعداً عنها قدر أربعة أذرع إجلالاً وتأدّباً مع المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو أمام وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيسلّم عليه دون أن يرفع صوته، بأيّ صيغة تحضره من صيغ التّسليم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ويردف ذلك بالصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم بما يحضره أيضاً

8- وقد أورد العلماء عبارات كثيرةً صاغوها لتعليم النّاس، ضمّنوها ثناءً على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فيدعو الإنسان بدعاء زيارة القبور ويصلّي ويسلّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيدعو بما يفتح اللّه عليه‏.‏

9- وإن كان أحد قد أوصاه بالسّلام عليه صلى الله عليه وسلم فليقل‏:‏ السّلام عليك يا رسول اللّه من فلان بن فلان، أو فلان بن فلان يسلّم عليك يا رسول اللّه، أو ما شابه ذلك‏.‏

10 - ثمّ يتأخّر إلى صوب اليمين قدر ذراع اليد للسّلام على الصّدّيق الأكبر سيّدنا أبي بكر رضي الله عنه، لأنّ رأسه عند كتف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويسلّم عليه بما يحضره من الألفاظ الّتي تليق بمقام الصّدّيق رضي الله عنه‏.‏

11 - ثمّ يتنحّى صوب اليمين قدر ذراع للسّلام على الفاروق الّذي أعزّ اللّه به الإسلام سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، ويسلّم عليه بما يحضره من الألفاظ الّتي تليق بمقامه رضي الله عنه‏.‏

12 - ثمّ يرجع ليقف قبالة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كالأوّل، ويدعو متشفّعاً به بما شاء من الخيرات له ولمن يحبّ وللمسلمين‏.‏

ويراعي في كلّ ذلك أحوال الزّحام بحيث لا يؤذي مسلماً‏.‏

زيارة القبور

حكم زيارة القبور

1 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه تندب للرّجال زيارة القبور، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تذكّر بالآخرة»‏.‏

ولأنّه صلى الله عليه وسلم «كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويقول‏:‏ السّلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون»‏.‏ وزاد في رواية‏:‏ «أسأل اللّه لي ولكم العافية»‏.‏

أمّا النّساء، فمذهب الجمهور أنّه تكره زيارتهنّ للقبور، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لعن اللّه زوّارات القبور»‏.‏ ولأنّ النّساء فيهنّ رقّة قلب، وكثرة جزع، وقلّة احتمال للمصائب، وهذا مظنّة لطلب بكائهنّ، ورفع أصواتهنّ‏.‏

وذهب الحنفيّة - في الأصحّ - إلى أنّه يندب للنّساء زيارة القبور كما يندب للرّجال، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور» الحديث‏.‏

وقال الخير الرّمليّ‏:‏ إن كان ذلك لتجديد الحزن والبكاء والنّدب وما جرت به عادتهنّ فلا تجوز، وعليه حمل حديث «لعن اللّه زوّارات القبور»‏.‏ وإن كان للاعتبار والتّرحّم من غير بكاء، والتّبرّك بزيارة قبور الصّالحين فلا بأس - إذا كنّ عجائز - ويكره إذا كنّ شوابّ، كحضور الجماعة في المساجد‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ وهو توفيق حسن‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تكره زيارة القبور للنّساء، لحديث أمّ عطيّة رضي الله عنها «نهينا عن اتّباع الجنائز ولم يعزم علينا» فإن علم أنّه يقع منهنّ محرّم، حرمت زيارتهنّ القبور، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لعن اللّه زوّارات القبور»‏.‏ قالوا‏:‏ وإن اجتازت امرأة بقبر في طريقها فسلّمت عليه ودعت له فحسن، لأنّها لم تخرج لذلك‏.‏

ويستثنى من الكراهة زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فإنّه يندب لهنّ زيارته، وكذا قبور الأنبياء غيره عليهم الصلاة والسلام، لعموم الأدلّة في طلب زيارته صلى الله عليه وسلم‏.‏

زيارة قبر الكافر

2 - ذكر الشّافعيّة والحنابلة أنّ زيارة قبر الكافر جائزة‏.‏

وقال الماورديّ‏:‏ تحرم زيارة قبر الكافر‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ ولا يسلّم من زار قبر كافر عليه، ولا يدعو له بالمغفرة‏.‏

شدّ الرّحال لزيارة القبور

3 - ذهب جمهور العلماء إلى أنّه يجوز شدّ الرّحل لزيارة القبور، لعموم الأدلّة، وخصوصاً قبور الأنبياء والصّالحين‏.‏

ومنع منه بعض الشّافعيّة، وابن تيميّة - من الحنابلة - لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا تشدّ الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد‏:‏ مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى»، وأخرج أحمد في المسند عن عمر بن عبد الرّحمن بن الحارث قال‏:‏ «لقي أبو بصرة الغفاريّ أبا هريرة، وهو جاء من الطّور فقال‏:‏ من أين أقبلت ‏؟‏ قال‏:‏ من الطّور، صلّيت فيه‏.‏ قال‏:‏ أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت، إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «لا تشدّ الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»‏.‏ ونقل ابن تيميّة هذا المذهب عن بعض الصّحابة والتّابعين‏.‏

وحمل القائلون بالجواز الحديث على أنّه خاصّ بالمساجد، فلا تشدّ الرّحال إلاّ لثلاثة منها‏.‏ بدليل جواز شدّ الرّحال لطلب العلم وللتّجارة، وفي رواية «لا ينبغي للمطيّ أن تشدّ رحاله إلى مسجد ينبغي فيه الصّلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا»‏.‏

زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم

4 - لا خلاف بين العلماء في استحباب زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفي زيارة قبور الأنبياء والأولياء تفصيل ينظر في ‏(‏زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

آداب زيارة القبور

5 - قال الحنفيّة‏:‏ السّنّة زيارتها قائمًا، والدّعاء عندها قائماً، كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع، ويقول‏:‏ «السّلام عليكم يا أهل القبور، يغفر اللّه لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر»‏.‏

- أو يقول‏:‏ «السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء اللّه بكم للاحقون، نسأل اللّه لنا ولكم العافية» ثمّ يدعو قائماً، طويلاً‏.‏

وفي شرح المنية‏:‏ يدعو قائماً مستقبل القبلة، وقيل‏:‏ يستقبل وجه الميّت‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يندب أن يقول الزّائر‏:‏ سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون، اللّهمّ لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنّا بعدهم، وأن يقرأ ما تيسّر من القرآن ويدعو لهم، وأن يسلّم على المزور من قبل وجهه، وأن يتوجّه في الدّعاء إلى القبلة، وعن الخراسانيّين إلى وجهه، وعليه العمل‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ سنّ وقوف زائر أمامه قريباً منه، وقول السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، أو أهل الدّيار من المؤمنين، وإنّا إن شاء اللّه بكم للاحقون، ويرحم اللّه المستقدمين منكم أخرين، نسأل اللّه لنا ولكم العافية، اللّهمّ لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنّا بعدهم، واغفر لنا ولهم‏.‏ وفي القنية من كتب الحنفيّة‏:‏ قال أبو اللّيث‏:‏ لا نعرف وضع اليد على القبر سنّةً ولا مستحبّاً ولا نرى بأساً، وعن جار اللّه العلّامة‏:‏ إنّ مشايخ مكّة ينكرون ذلك، ويقولون‏:‏ إنّه عادة أهل الكتاب، وفي إحياء علوم الدّين‏:‏ إنّه من عادة النّصارى‏.‏

قال شارح المنية‏:‏ لا شكّ أنّه بدعة، لا سنّة فيه ولا أثر عن صحابيّ ولا عن إمام ممّن يعتمد عليه فيكره، ولم يعهد الاستلام في السّنّة إلاّ للحجر الأسود، والرّكن اليمانيّ خاصّةً‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ لا بأس بلمس قبر بيد لا سيّما من ترجى بركته، وقال ابن تيميّة‏:‏ اتّفق السّلف على أنّه لا يستلم ولا يقبّل إلاّ الحجر الأسود، والرّكن اليمانيّ يستلم ولا يقبّل‏.‏

بدع زيارة القبور

6 - يقع لكثير من النّاس أمور مكروهة في زيارتهم للقبور، ذكرها العلماء في مظانّها، وفي كتب الآداب‏.‏ وينظر ما تقدّم في زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم حول منع اجتماع العامّة في بعض الأضرحة‏.‏

زيف

انظر‏:‏ زيوف‏.‏

زينة

انظر‏:‏ تزيّن‏.‏

زيوف

التّعريف

1 - الزّيوف لغةً‏:‏ النّقود الرّديئة، وهي جمع زيف، وهو في الأصل مصدر، ثمّ وصف بالمصدر، فيقال‏:‏ درهم زيف، ودراهم زيوف، وربّما قيل‏:‏ زائفة‏.‏

قال بعضهم‏:‏ الزّيوف هي المطليّة بالزّئبق المعقود بمزاوجة الكبريت وتسكّ بقدر الدّراهم الجيّدة لتلتبس بها‏.‏ وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ «أنّه باع نفاية بيت المال وكانت زيوفًا وقسّيّةً‏.‏ أي رديئةً»‏.‏ والتّزييف لغةً‏:‏ إظهار زيف الدّراهم‏.‏

ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

وقد أصبح للزّيوف في العصر الحاضر معنًى آخر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجياد‏:‏

2 - الجياد لغةً‏:‏ جميع جيّدة، والدّراهم الجياد ما كان من الفضّة الخالصة تروج في التّجارات وتوضع في بيت المال‏.‏ والعلاقة بينهما التّضادّ‏.‏

ب - النّبهرجة‏:‏

3 - التّبهرج والبهرج‏:‏ الرّديء من الشّيء، ودرهم نبهرج، أو بهرج، أو مبهرج أي رديء الفضّة، وهو ما يردّه التّجّار، وقيل هو‏:‏ ما ضرب في غير دار السّلطان‏.‏

ج - السّتّوقة‏:‏

4 - وهي صفر مموّه بالفضّة نحاسها أكثر من فضّتها‏.‏

د - الفلوس‏:‏

5 - الفلوس جمع فلس، وهو قطعة مضروبة من النّحاس يتعامل بها‏.‏

الأحكام المتعلّقة بها

6 - يجوز التّعامل بدراهم زيوف أي ‏"‏ مغشوشة ‏"‏ وإن جهل قدر غشّها عند جمهور الفقهاء، سواء أكانت لها قيمة إن انفردت الفضّة أم لا، استهلكت فيها أم لا، ولو في الذّمّة، ولا يضرّ اختلاطها بالنّحاس، لأنّ المقصود رواجها، وكان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتعاملون بدراهم العجم، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يضرب نقوداً ولا الخلفاء الرّاشدون، رضي الله عنهم، وكانوا إذا زافت عليهم أتوا بها إلى السّوق وقالوا‏:‏ من يبيعنا بهذه، وسئل أحمد بن حنبل في دراهم يقال لها‏:‏ المسيّبيّة عامّتها من نحاس، إلاّ أنّ فيها شيئاً من الفضّة فقال‏:‏ إذا كان شيئاً اصطلحوا عليه أرجو ألاّ يكون به بأس، ولأنّه لا تغرير فيه ولا يمنع النّاس منه، لأنّه مستفيض في سائر الأعصار جار بينهم من غير نكير‏.‏

أمّا إذا لم يتعارف النّاس على التّعامل بها فلا يجوز‏.‏

ضرب الدّراهم الزّيوف

7 - يكره للإمام ضرب نقد زائفة، كما يكره للأفراد اتّخاذها، أو إمساكها، لأنّه قد يتعامل بها من لا يعرف حالها فيظنّها جيّدةً ولخبر «من غشّنا فليس منّا»‏.‏

ومن اجتمعت عنده زيوف فلا يمسكها بل يسبكها ويصوغها، ولا يبيعها للنّاس، إلاّ أن يبيّن حالها للمشتري، لأنّه ربّما خلطها بدراهم جيّدة، ويعامل من لا يعرفها فيكون تغريراً للمسلمين وإدخالاً للضّرر عليهم‏.‏

وقال أحمد‏:‏ لا ينبغي أن يغرّ بها المسلمين، ولا أقول إنّها حرام‏.‏

وصرّح الحنفيّة بأنّه لا ينبغي للإمام أن يأخذ الزّيوف لبيت المال من أهل الجزية ومن أهل الأراضي الخراجيّة‏.‏

وكان عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه يكسر الزّيوف وهو في بيت المال‏.‏

وقال المالكيّة في القول الأظهر عندهم‏:‏ لا يجوز بيع درهم زائف بدرهم جيّد وزناً بوزن ولا بعرض، لأنّ ذلك داعية إلى إدخال الغشّ على المسلمين، وقد كان عمر يريق اللّبن المشوب بالماء، تأديباً لصاحبه، فإجازة شرائه إجازة لغشّه وإفساد لأسواق المسلمين، ولخبر «من غشّنا فليس منّا»‏.‏

وقد نهى عمر رضي الله عنه عن بيع نفاية بيت المال، وكانت زيوفاً، ولأنّ المقصود فيه - وهو الفضّة - مجهول، فأشبه تراب الصّاغة، واللّبن المشوب بالماء‏.‏

وهو قول عند كلّ من الشّافعيّة والحنابلة ويعلّل بعض الفقهاء منع بيع الدّراهم الجيّدة بالدّراهم الزّيوف بأنّه من ربا الفضل لعدم معرفة التّماثل مع وحدة الجنس في العوضين‏.‏

وجوب الزّكاة في الزّيوف

8 - اختلف الفقهاء في وجوب الزّكاة في الزّيوف من الدّراهم‏.‏

فقال الحنفيّة‏:‏ إن كانت الفضّة فيها هي الغالبة تجب فيها الزّكاة ‏;‏ لأنّ الغشّ مستهلك مغمور، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة‏:‏ أنّه قال‏:‏ تجب الزّكاة في الدّراهم الجياد، والزّيوف، والنّبهرجة، والمزيّفة، إذا كان الغالب فيها الفضّة، لأنّ ما يغلب فضّته على غشّه يتناوله اسم الدّرهم مطلقاً، والشّرع أوجب الزّكاة باسم الدّرهم، وإن كان الغالب فيها الغشّ والفضّة مغلوبة، فإن كانت أثماناً رائجةً، أو يمسكها للتّجارة تعتبر قيمتها، فإن بلغت قيمتها مائتي درهم من أدنى الدّراهم الّتي تجب فيها الزّكاة - وهي الغالب عليها الفضّة - تجب فيها الزّكاة‏.‏ وإن لم تبلغ فلا تجب، وإن لم تكن أثماناً رائجةً، ولا معدّةً للتّجارة فلا زكاة فيها، لأنّ الصّفر أي النّحاس لا تجب فيه الزّكاة إلاّ بنيّة التّجارة، فإذا أعدّها للتّجارة اعتبرنا في وجوب الزّكاة فيها القيمة كعروض التّجارة، وإن لم تكن للتّجارة، وليست أثماناً رائجةً، اعتبرنا ما فيها من الفضّة، وإلى هذا ذهب المالكيّة‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ لا تجب الزّكاة في الزّيوف من النّقود حتّى يبلغ خالصها نصاباً‏.‏ فإذا بلغ خالصها النّصاب أخرج الواجب خالصاً، أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب‏.‏ ولتفصيل ذلك ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

بيع الزّيوف بالجياد

9 - لا يجوز بيع الزّيوف بالجياد متفاضلاً باتّفاق الفقهاء، لخبر أبي سعيد الخدريّ «الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة‏.‏‏.‏‏.‏ مثلاً بمثل»‏.‏

وعن عبادة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «الذّهب بالذّهب تبرها وعينها، والفضّة بالفضّة تبرها وعينها»، وروى أبو صالح السّمّان أنّه سأل عليّاً رضي الله عنه عن الدّراهم تكون معي لا تنفق في حاجتي أي رديئةً، فأشتري بها دراهم تنفق في حاجتي وأهضم منها ‏؟‏ أي أنقص من البدل فقال‏:‏ لا، ولكن بع دراهمك بدنانير ثمّ اشتريها دراهم تنفق في حاجتك، ولأنّ الجياد والزّيوف نوع واحد فيحرم التّفاضل بينهما‏.‏

ولا معنى لمراعاة فرق الجودة مع وجود النّصّ «جيّدها ورديئها سواء »‏.‏

ومنع المالكيّة بيع الدّراهم الجياد بالدّراهم الرّديئة حتّى تكسر خوفاً من أن يغشّ غيره في أظهر الأقوال عندهم‏.‏

وقال الدّردير‏:‏ والخلاف في المغشوش الّذي لا يجري بين النّاس كغيره، وإلاّ جاز قطعاً‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏ربا، صرف‏)‏‏.‏

سؤال

التّعريف

1 - السّؤال‏:‏ مصدر ‏(‏سأل‏)‏ تقول‏:‏ سألته الشّيء، وسألته عن الشّيء سؤالاً ومسألةً، وجمع سؤال أسئلة، وجمع المسألة مسائل، وقال ابن برّيّ‏:‏ سألته الشّيء استعطيته إيّاه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ‏}‏ وسألته عن الشّيء وبه‏:‏ استخبرته، وفي هذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً‏}‏‏.‏

وحديث‏:‏ «إنّ أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته»‏.‏

وفي الاصطلاح هو‏:‏ استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إلى المعرفة، أو ما يؤدّي إلى المال‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة به

الاستجداء‏:‏

2 - وهو من أجدى عليه أي أعطاه، يقال‏:‏ جدوته جدواً، وأجديته، واستجديته‏:‏ إذا أتيته أسأله حاجةً، وطلبت جدواه أو طلبت الصّدقة منه‏.‏

الشّحاذة‏:‏

3 - الشّحاذة هي الإلحاح في المسألة‏.‏

الأمر‏:‏

4 - الأمر‏:‏ هو طلب الفعل بالقول على وجه الاستعلاء‏.‏

الدّعاء‏:‏

5 - الدّعاء هو طلب الفعل من الأدنى إلى الأعلى، فالدّعاء نوع من السّؤال‏.‏

الالتماس‏:‏

6 - الالتماس هو طلب الفعل من المساوي‏.‏

الحكم التّكليفيّ

تختلف أحكام السّؤال باختلاف حالة السّائل ونوع السّؤال، وقصد السّائل منه‏:‏

أوّلاً‏:‏ السّؤال بمعنى‏:‏ الاستفهام

7 - السّؤال على وجه التّبيّن والتّعلّم عمّا تمسّ إليه الحاجة في أمور الدّين أو الدّنيا مأمور به، أو مباح بحسب حال المسئول عنه‏.‏

أمّا السّؤال عمّا لا تترتّب عليه مصلحة دينيّة ولا دنيويّة على طريق التّكلّف، والتّعنّت لغرض التّعجيز، وتغليط العلماء فهو غير جائز ومنهيّ عنه، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏ قال الطّبريّ‏:‏ ذكر أنّ الآية نزلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إيّاه أقوام امتحاناً له أحياناً واستهزاءً أحياناً‏.‏

وقال ابن عبّاس‏:‏ كان قوم يسألون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استهزاءً، يقول الرّجل من أبي ‏؟‏ ويقول الرّجل‏:‏ تضلّ ناقته‏:‏ أين ناقتي ‏؟‏ فأنزل اللّه فيهم هذه الآية‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏}‏‏.‏

وعنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الحلال ما أحلّ اللّه في كتابه، والحرام ما حرّم اللّه في كتابه، وما سكت عنه فهو ممّا عفا عنه»‏.‏ وورد عنه عليه الصلاة والسلام أنّه‏:‏ «كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال»‏.‏

وجاء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه كره المسائل، وعابها»‏.‏

والمراد المسائل الدّقيقة الّتي لا يحتاج إليها، وقال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ شرّ النّاس الّذين يسألون شرّ المسائل كي يغلّطوا العلماء ‏"‏‏.‏

السّؤال بين العالم والمتكلّم

8 - قال الشّاطبيّ‏:‏ إنّ السّؤال إمّا أن يقع من عالم أو غير عالم‏.‏ وأعني بالعالم المجتهد، وغير العالم المقلّد‏.‏ وعلى كلا التّقديرين إمّا أن يكون المسئول عالماً أو غير عالم‏.‏ فهذه أربعة أقسام‏:‏

الأوّل‏:‏ سؤال العالم للعالم‏.‏ وذلك في المشروع يقع على وجوه، كتحقيق ما حصل، أو رفع إشكال عنّ له، وتذكّر ما خشي عليه النّسيان، أو تنبيه المسئول على خطأ يورده مورد الاستفادة، أو نيابةً منه عن الحاضرين من المتعلّمين، أو تحصيل ما عسى أن يكون فاته من العلم‏.‏

والثّاني‏:‏ سؤال المتعلّم لمثله، وذلك أيضًا يكون على وجوه، كمذاكرته له بما سمع، أو طلبه منه ما لم يسمع ممّا سمعه المسئول، أو تمرّنه معه في المسائل قبل لقاء العالم، أو التّهدّي بعقله إلى فهم ما ألقاه العالم‏.‏

والثّالث‏:‏ سؤال العالم للمتعلّم‏.‏ وهو على وجوه كذلك، كتنبيه على موضع إشكال يطلب رفعه، أو اختبار عقله أين بلغ ‏؟‏ والاستعانة بفهمه إن كان لفهمه فضل، أو تنبيهه على ما علم ليستدلّ به على ما لم يعلم‏.‏

والرّابع‏:‏ وهو الأصل الأوّل، سؤال المتعلّم للعالم، وهو يرجع إلى طلب علم ما لم يعلم‏.‏ فأمّا الأوّل والثّاني والثّالث فالجواب عنه مستحقّ إن علم، ما لم يمنع من ذلك عارض معتبر شرعاً، وإلاّ فالاعتراف بالعجز‏.‏

وأمّا الرّابع فليس الجواب بمستحقّ بإطلاق، بل فيه تفصيل‏.‏ فيلزم الجواب إذا كان عالماً بما سئل عنه متعيّناً عليه في نازلة واقعة، أو في أمر فيه نصّ شرعيّ بالنّسبة إلى المتعلّم، لا مطلقاً، ويكون السّائل ممّن يحتمل عقله الجواب، ولا يؤدّي السّؤال إلى تعمّق ولا تكلّف، وهو ممّا يبنى عليه عمل شرعيّ، وأشباه ذلك‏.‏ وقد لا يلزم الجواب في مواضع، بما إذا لم يتعيّن عليه‏.‏ أو المسألة اجتهاديّة لا نصّ فيها للشّارع‏.‏ وقد لا يجوز، كما إذا لم يحتمل عقله الجواب أو كان فيه تعمّق، أو أكثر من السّؤالات الّتي هي من جنس الأغاليط وفيه نوع اعتراض‏.‏ انتهى كلام الشّاطبيّ‏.‏

هذا والسّؤال من المقلّد عن الحكم الشّرعيّ فيما وقع له يسمّى استفتاءً، وينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏فتوى‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ السّؤال بمعنى طلب الحاجة

التّعرّض للصّدقة بالسّؤال، أو إظهار أمارة الفاقة

9 - يحرص الإسلام على حفظ كرامة المسلم، وصون نفسه عن الابتذال والوقوف بمواقف الذّلّ والهوان، فحذّر من التّعرّض للصّدقة بالسّؤال، أو بإظهار أمارات الفاقة، بل حرّم السّؤال على من يملك ما يغنيه عنها من مال أو قدرة على التّكسّب، سواء كان ما يسأله زكاةً أو تطوّعاً أو كفّارةً، ولا يحلّ له أخذ ذلك إن أعطي بالسّؤال أو إظهار الفاقة‏.‏

قال الشّبراملّسي‏:‏ لو أظهر الفاقة وظنّه الدّافع متّصفاً بها لم يملك ما أخذه، لأنّه قبضه من غير رضا صاحبه، إذ لم يسمح له إلاّ على ظنّ الفاقة‏.‏

لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من سأل النّاس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته خموش، أو خدوش، أو كدوح قيل‏:‏ يا رسول اللّه، وما يغنيه ‏؟‏ قال‏:‏ خمسون درهماً أو قيمتها من الذّهب» وعنه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه» وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه»‏.‏

أمّا إن كان محتاجاً إلى الصّدقة، وممّن يستحقّونها لفقر أو زمانة، أو عجز عن الكسب فيجوز له السّؤال بقدر الحاجة، وبشرط أن لا يذلّ نفسه، وأن لا يلحّ في السّؤال، أو يؤذي المسئول، ولم يعلم أنّ باعث المعطي الحياء من السّائل أو من الحاضرين، فإن كان شيء من ذلك فلا يجوز له السّؤال وأخذ الصّدقة وإن كان محتاجاً إليها، ويحرم أخذها، ويجب ردّها إلاّ إذا كان مضطرّاً بحيث يخشى الهلاك إن لم يأخذ الصّدقة، لحديث‏:‏ «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه»‏.‏ فإن خاف هلاكاً لزمه السّؤال إن كان عاجزاً عن التّكسّب‏.‏

فإن ترك السّؤال في هذه الحالة حتّى مات أثم لأنّه ألقى بنفسه إلى التّهلكة، والسّؤال في هذه الحالة في مقام التّكسّب، لأنّها الوسيلة المتعيّنة لإبقاء النّفس، ولا ذلّ فيها للضّرورة، والضّرورة تبيح المحظورات كأكل الميتة‏.‏

ولا بأس بسؤال الماء للشّرب «لفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم»‏.‏ وقال أحمد في العطشان الّذي لا يستسقي‏:‏ يكون أحمق، ولا بأس بمسألة الاستعارة والاستقراض نصّ عليهما أحمد قال الآجرّيّ يجب أن يعلم حلّ المسألة ومتى تحلّ، وما قاله بمعنى قول أحمد في أنّ تعلّم ما يحتاج إليه لدينه فرض، ولا بأس بسؤال الشّيء اليسير، كشسع النّعل أي سيره، لأنّه في معنى مسألة شرب الماء، وإن أعطي مالاً طيّباً من غير مسألة ولا استشراف نفس ممّا يجوز له أخذه من زكاة أو كفّارة أو صدقة تطوّع أو هبة وجب أخذه عند الحنابلة، ونقله جماعة عن أحمد‏.‏

السّؤال في المسجد

10 - يكره السّؤال في المسجد، والصّدقة فيه غير محرّمة إلاّ إذا كان السّائل يسأل والإمام يخطب، فتمنع، لأنّ السّائل فعل ما لا يجوز له فعله، فلا يعينه عليه‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏مسجد‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ السّؤال باللّه أو بوجه اللّه

11 - صرّح الشّافعيّة بأنّ السّؤال باللّه، أو بوجه اللّه مكروه، كأن يقول‏:‏ أسألك بوجه اللّه، أو أسألك باللّه ونحو ذلك‏.‏ كما يكره ردّ السّائل بذلك‏.‏ لخبر‏:‏ «لا يسأل بوجه اللّه إلاّ الجنّة»‏.‏ وخبر‏:‏ «من سألكم باللّه فأعطوه»‏.‏

رابعاً‏:‏ سؤال اللّه تعالى بغيره

12 - قال الحنفيّة‏:‏ يكره أن يسأل اللّه بغيره كأن يقول السّائل‏:‏ اللّهمّ أسألك بفلان، أو بملائكتك، أو يقول في دعائه‏:‏ اللّهمّ أسألك بمعقد العزّ من عرشك، لأنّ هذا يوهم تعلّق عزّته تعالى بالعرش، وصفات اللّه جميعها قديمة بقدم ذاته، فكان الاحتياط الإمساك عمّا يقتضي الإيهام، وقال أبو يوسف بجواز ذلك، للدّعاء المأثور‏:‏ «اللّهمّ إنّي أسألك بمعقد العزّ من عرشك، ومنتهى الرّحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وكلماتك التّامّة»‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏دعاء، وتوسّل‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ الأسئلة في الاستدلال

13 - يسمّي بعض الأصوليّين الاعتراضات الّتي تورد على كلام المستدلّ ‏"‏ الأسئلة ‏"‏ وبعضهم يحصرها في عشرة أنواع منها‏:‏ النّقض، والقلب، والمطالبة‏.‏

وتفصيل ذلك في باب القياس من الملحق الأصوليّ‏.‏